.
وعمّيالهادي يعرف الكتف، ولكنّه لا يعرف من أين يأكلها ! فقد كان يخلق على غير الطّراز الأوّل… فيجنّ ولا نبلغه إلاّ إذا دوزن وتر “النوا” (الصول) وركب المقام… كنّا نخضع لطقس دخوله ونرقب أصابعه تنتقل خفيفة… وكان يرقب القمر. إبريق الشاي يرقص غطاؤه فيرتّب إيقاع الليل ويوشوش أسراره للسمّار… عَطِرٌ ونقيّ هو كأنفس تركت للصحراء أعنّتها فانقادت للمقامات الحزينة وانكشفت للعراء… يقول بعضنا : “عذّبتنا” فيقول “عمّي الهادي” : “لم يطلع القمر بعد”… ويمعن في المقام صدًّا ووصلاً حتّى يلين… وكأنّنا نكتم خفايا قلوبنا نتصبّر بالهالة المقبلة من حلكة الأفق الشرقيّ… يهتزّ الوتر ويهمس بالتغريد الحزين… ويرتفع بارتفاع القمر في منازله… “تعلّق قلبي طفلة عربيّة” على هوى خليجي يذيب قلوبًا أكلها الهجر مليًّا، يأتي بها “عمّي الهادي” فنعلم أنّه قاتِلُنا الليلة.
سيطلب بعد قليل كأس الشّاي فقد أشرف على البكاء. يشير برأسه أن نحرّك الجمر… “لها مقلة لو أنّها نظرت بها” يغنّيها بغرغرة الحنجرة فينشج صاحب لنا… ويستزيد. ويطوف بنا النور فإذا بالدمع أوضح من قمرنا… وحده “عمّي الهادي” يتماسك كصخرة… “وقبّلتها حتّى تقطع عقدها”… وينهار باكيًا… كنّا ساعتها كطير القطا تاه عن مشربه…
.
القلم الحرّ عمّار جماعي
.
[…] الحلقة الأولى – رابط الحلقة الثانية – رابط الحلقة الثالثة – رابط الحلقة […]
[…] الحلقة الأولى – رابط الحلقة الثانية – رابط الحلقة […]
[…] رابط الحلقة الأولى – رابط الحلقة الثانية […]